يهدف الإسلام إلى بناء مجتمع مؤمن قوي متماسك متراحم متعاون على البر والتقوى؛ ولذلك اعتنى بالأسرة عناية خاصة، إذ هي اللبنة الأولى من لبنات المجتمع، فشرع شرائع.
ووضع تنظيمات تأخذ بيد الجميع إلى شاطئ السلامة بلا حيف ولا ظلم؛ فالله تعالى حرم الظلم على نفسه، وجعله بين الناس محرما، ومن لا يرحم لا يُرْحَمُ.
إن أسعد الأيام يحياها الأبوان عندما يزوجان ابنهما، ثم ينتظران بفارغ الصبر قدوم الحفيد الجديد ليفرحا به؛ ثم يشاركهما هذه الفرحة بقية الأرحام من أخ أو أخت أو أو...
ومن الطبيعي عندما يتزوج الرجل ستظهر على تصرفاته بعض التغيرات التي يمارسها عن حسن نية في بيت الزوجية.
سواء تعلق الأمر بأبويه وبقية الأرحام، أم مع أصدقائه وزوجته كلما تقادم الزمن، وتزداد مساحة التغير إذا رُزِقَ بالأولاد؛ ولذلك ينبغي على الرجل الحكيم العاقل أن يكون حذرا في هذه المرحلة من حياته ولا سيما مع أبويه.
سأفترض حسن النية مع الجميع، ولكن القصد الحسن في تصرفات الزوج تجاه الآخرين لا يعني ألا يحاسب على الخطأ؛ وألا يعدل من سلوكه؛ ليصبح مقبولا مع من يتعامل معهم.
إن التغير في التصرف الناجم عن الزواج أمر طبيعي؛ فالرجل أصبح قائدا لبيت جديد، وزوجا لامرأة لها حقوق؛ ثم هناك الأولاد يحتاجون إلى رعاية منه.
إن أول من يشعر بهذا التحول عند الابن بعد الزواج هي الأم، ثم الأب وغيرهما؛ وهذه دورة الحياة شملت غيره قبل أن تشمله؛ ولكن من يعتبر؟!!
فمن قبل كانت الأم كنة لحماة والأب حما، ودار الزمن فانقلبت الآية كما يقال.
لقد أصبح الابن بعد الزواج – في نظر الأبوين – ملكا للزوجة، فها هو يخرج من البيت دون أن يعلم أحدا بخروجه؛ وها هو يهتم بأولاده – وهذا أمر لا ينكره دين ولا عرف – وها هو لم يعد يطلع أبويه على كثير من أفعاله؛ ثم خفت زياراته إلى أرحامه!
وباختصار لم يعد الرجل كما كان على الرغم من أن تصرفاته، التي نفترض أنها تصدر عنه بحسن نية، أو فرضتها عليه الحياة الزوجية كما فرضتها على من ينتقده من قبل، وفي كثير من الأحيان تتهم الزوجة أنها وراء هذا التحول!!
إن الإسلام دين جاء ليبني لا ليهدم، وليصلح لا ليخرب؛ وليجمع لا ليفرق؛ ولذلك فالجميع مطالب بالإصلاح ((إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت))سورة هود.
ومن مبدأ الإصلاح أقول: إن أول إنسان ينبغي عليه أن يبادر إلى وأد الفتنة التي تبدو بوادرها في المنزل.
والتي يمكن أن تزلزل البيت، وتطيح بأركانه لا سمح الله- هو الزوج أولا، ثم الزوجة ثانيا، شريطة ألا يتركا الأمور تتفاقم ثم يقومان بالإصلاح؛ بل يقطعان رأس الخراب قبل أن يصبح له جذور وأغصان وووو.
وإني أطالب الزوج والزوجة أن يقرآ مقالات - نشرتها في الموقع أو بعضها سينشر إن شاء الله – تعالج هذه المشكلات، وتقدم النصائح لهما حتى لا يقعا في الخطأ غير المقصود، وكي لا تفسر تصرفاتهما البريئة بسوء نية.
أيها الأبوان وأيتها الأم: ليس عندي كلمة وفاء أنطق بها تقديرا لحقكما سوى قوله تعالى: ((واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا))سورة الإسراء.
فليست هناك منزلة عند الابن تعدل منزلتكما معاذ الله!!
ولكنها سنة الحياة التي أنتما من نتائجها وفق مشيئة الله؛ ثم ولدكما الذي زوجتمانه لتفرحا به، وهو مسكين ربما أساء إليكما من غير ما قصد؛ أو أنه كان يتصرف بأمور تتطلبها حياته الذي أصبح فيها مسؤولا.
ولا يعد نفسه فيها مخطئا في حقكما؛ لكنها الحياة الوليدة؛ الحياة الجديدة التي أنتما سعيتما إليها، وحرصتما كل الحرص على أن يعيشها كما عاشها غيره؛ وسيحياها الآخرون حتى لا تتعطل حركة الوجود.
إن كل فرد في الأسرة له حقوق وعليه واجبات؛ وعلى الجميع أن يعلموا أن السموات والأرض قامت على الحق والعدل؛ وإن من متطلباتها أن تسير وفق قدر الله تعالى بلا ظلم ولا حيف؛ فالظلم حرام مهما كان مصدره؛ ووفق هذه القواعد تسير الحياة إلى نهايتها المقدرة؛ ومن هذه المبادئ الفاضلة أقول لرب الأسرة:
كن عادلا غير مفرط؛ فالأبوان حقهما كبير كبير، والزوجة الصالحة لا يفرط فيها؛ والحكيم العاقل هو الذي يوزع نظراته على الجميع بالعدل والتساوي، والخائف من الله لا يظلم؛ فالظلم ظلمات يوم القيامة؛ وأؤكد مرة ثالثة على إكرام الأم والأب والإخوة والأخوات ومن كان في صلتهم صلة لهم.
أيتها الأم الكريمة والأب الكريم أطلب منكما أن تكونا عونا لولدكما على شؤون حياته؛ وأرجو منكما أن تقدما حسن الظن به وبأهله؛ وألا تصغيا إلى أحد إذا جاء ليفسد بينكما وبينهما مهما كانت درجة قرابته.
وأنت أيتها الأم الغالية أقدم إليك بعض النصائح لعلها تسهم في إصلاح ذات البين وتريح الجميع.
وتؤسس للابن حياته في بيته على قواعد سليمة، وأنا أعلم أن الكل يريد السعادة والنجاح إلا من ران على قلبه؛ فهذا نسأل الله له التوبة النصوح.
النصائح:
– الأم التي ترغب في إسعاد ابنها إذا تزوج، عليها أن ترتب أوضاعها إزاء حياة ابنها الجديدة التي هي أول من سعت إليها، فلا ينبغي أن تتصور أن زوجة ابنها قد سرقت ولدها، أو اختطفته منها، وحبذا - لو راودتها الفكرة - أن تعود إلى الوراء فهل كانت سارقة عندما بنى بها زوجها!!!!!
– في اعتقادي لو أن الأمهات عاملن زوجات أبنائهن كما يعاملن بناتهن، لاختفت أكثر من 80% من المشكلات، ولكن الشاعر يقول:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عيب السخط تبدي المساويا
– إن اللقاءات الأولى للأم مع زوجة ابنها ترسم طبيعة العلاقة بينهما؛ فإن اتسم اللقاء بطلاقة الوجه، والتودد، والمناصحة برفق ولين وبطريقة غير مباشرة بعيدة عن التسلط والشعور بالفوقية؛ لحققت الأم نجاحات باهرة، ولأرست في البيت دعائم المودة. والصبرُ عند الصدمة الأولى.
- للأم دور قيادي لإنجاح زواج ابنها، ويتحقق هذا الدور في الأمور الآتية:
1 – أن تختار لولدها من ذوات الدين، فهي إن لم تنسجم معها، فلن يقع منها ضرر عليها.
2 – أن تمارس حياتها مع ابنها وزوجه بصورة طبيعية كما كانت من قبل.
3 - أن تكثر من الأفعال الإيجابية من غير تصنع، كشراء هدية لهما أو دعوتهما إلى وليمة و و.
– إذا شعرت الأم أن ابنها أو زوجه قد وقعا في خطأ، فيجب أن تحسن الظن بهما، وأن تفاتحهما بما أحست بدون حساسية، أو اتهام، بل تقدم لهما نصيحة مجرب في الحياة، وأن توضح لهما أنها ما قصدت من هذه النصيحة إلا الخير.
– أنصح الأمهات أن يغيرن نظرتهن إلى أبنائهن بعد الزواج، فلم يعد ولدها صغيرا، ولم يعد ملكا لها وحدها إن صح التعبير، فهو رب أسرة، وقائد جديد لبيت جديد، وعليه واجبات تجاه زوجه وأولاده، فلا بد من أن تمنحه مساحة من الحرية. ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
– للأم دور كبير في تعزيز العلاقات الطيبة بين بناتها وكنتها، فلا تتحدث أمامهن عن الصور السلبية؛ وإنما تبرز الصور الإيجابية لتصرفاتها، وتحاول دائما أن تكون رائدة في حسن المعاملة، والصلة الحسنة، وكظم العواطف الجانحة ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)) سورة الأعراف.
- إن أسباب النجاح في فن المعاملة مع الآخرين كثيرة، ومن أهمها: أن تعاملهم كما تحب أن يعاملوك به، وألا تستخف بهم، وأن تنزل الناس منازلهم، وأن تقبل عليهم متفقدا أحوالهم، قاضيا حاجاتهم، وأن تنتهز المناسبات لتتواصل معهم، ولا تقرب منهم دائما، فيملوك، أو تغيب عنهم كثيرا فينسوك.
– الأم الراشدة العاقلة التي تخاف الله تعالى، وتراقبه في جميع تصرفاتها، لا تصغي إلى كل نامٍّ، ونامةٍّ، أو مفسد ومفسدة، أو فتان وفتانة الذين يرغبون في إفساد العلاقة بينها وبين ابنها وزوجه؛ وجدير بها أن تتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء... .)، وإن العفو من شيم الكرام، لا اللئام.
– إن قلب الأم روضة واسعة الأرجاء، ذات هواء طيب، وماء نمير، وأشجار ظلالها وارفة، وثمارها يانعة، فما أجمل البيت الذي فيه أم كما قال الشاعر:
فلا قلب في الدنيا يساوي قُلَيْبَها ولا روح في الدنيا أعف وأمرح
وهل وجد الماضون مثل فؤادها حنــون كريــم لا يمــل ويكلــح
الكاتب: مالك فيصل الدندشي
المصدر: موقع لها أون لاين